أقبية الموت في سوريا
أقبية الموت في سوريا
تعددت أشكال وألوان الموت في سوريا على يد عائلة الأسد وأعوان هذه العائلة من شيعة إيران, فهناك الموت ذبحًا بالسكاكين والسلاح الأبيض, والذي يعيدنا إلى عصر هولاكو وجنكيز خان, وقد مارست هذا الأسلوب شبيحة الأسد وحزب الله في كل من الحولة بحمص إلى داريا بريف دمشق إلى البيضا في بانياس, في سلسلة من المذابح والمجازر المروعة على مدى عامين ونصف من عمر الثورة السورية المباركة.
وهناك الموت جوعا وعطشا في حصار يطول معظم المدن والمناطق، التي خرجت من يد هذا النظام الغاشم, فحصار حمص تجاوزت مدته العام ونصف العام؛ حيث بدأ الحصار أوائل عام 2012م وحتى الآن, كما أن غوطتي دمشق والمناطق الجنوبية من العاصمة تعاني من موت بطيء جراء الحصار المفروض عليها منذ قرابة العام, في شكل آخر للموت الذي يحصد الأرواح هناك.
ولكن أشد أنواع الموت قسوة ولا إنسانية تلك التي تحدث في أقبية وسجون عائلة الأسد في سوريا, فالموت هناك حلم يراود أي سجين للخلاص من التعذيب الذي يتجرعه يوميًّا, وتجنب أشكال الموت البطيء، والتنكيل الذي لا يمكن أن يخطر على بال بشر, ممارسات وأساليب في التعذيب استلهمها شبيحة الأسد من شياطين الإنس والجن المنتشرة في هذا العالم, وباتوا اليوم يصدرونها لغيرهم ويعلمونها لإبليس.
ومن هنا يمكننا أن نفهم تلك الدعوة التي كان ثوار سوريا يرجون الله تعالى دائمًا أن يستجيبها لهم -أثناء خروجهم في المظاهرات السلمية قبل حمل السلاح- فقد كانوا يفضلون الموت على الاعتقال, ويدعون الله بذلك, نظرًا لما رسخ في أذهانهم من صور التعذيب في معتقلات الأسد.
وفي هذا الإطار قالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان: إن عشرات الآلاف من المحتجين السلميين المناهضين لحكم بشار الأسد أودعوا السجون في سوريا، ويتعرضون لتعذيب ممنهج.
وأوضحت المنظمة -التي تتخذ من نيويورك مقرًّا لها- أن المحتجزين تعرضوا للاغتصاب ولانتهاكات تضمنت الصدمات الكهربائية على مناطق حساسة، والضرب بالعصي والأسلاك والقضبان المعدنية.
وجاء في التقرير أن الاعتقال التعسفي والتعذيب قد أصبح من الأعمال الروتينية المعتادة لقوات الأمن السورية, وأن كثيرين أودعوا السجن لمجرد انتقاد السلطات، أو تقديم مساعدة طبية لضحايا الحملة العنيفة على المحتجين منذ عام 2011, كما ألمح إلى أن التعذيب يحدث بشكل ممنهج, وأنه يمثل سياسة دولة وجريمة ضد الإنسانية.
وأشار التقرير لمقتل 1200 معتقل تحت التعذيب, إضافة لسجن سياسيين لأشهر دون اتهام، وتعذيبهم وإساءة معاملتهم، ومنعهم من الاتصال بعائلاتهم ناهيك عن محاميهم، حتى غدت أسرهم تتلهف لسماع أو معرفة أي شيء عنهم.
وأبرز التقرير 21 حالة فردية كحالة يحيى الشربجي وأخوه وثلاثة نشطاء آخرين وخليل معتوق ومازن درويش رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير, وغيرهم الكثير ممن لا يعلم شيء عن مصيرهم، أو حتى أماكن تواجدهم, حالهم حال عشرات الآلاف المحتجزين في أقبية الموت السورية.
وإذا كان التقرير قد رصد غيضًا من فيض مما يحدث في أقبية عائلة الأسد, فإنه تغاضى عن المقابر الجماعية التي يدفن فيها الكثير ممن يموتون تحت التعذيب في هذه السجون, والتي نشر ناشطون سوريون على صفحات التواصل الاجتماعي فيس بوك بعض صورها وأماكنها, ومنها مقابر جماعية داخل سجن حلب المركزي.
كما تغاضى عن الإعدامات الميدانية، التي يمارسها شبيحة بشار في السجون بحق المعتقلين السوريين بشكل دوري ومستمر, نظرًا للاكتظاظ الشديد في السجون، وعدم استيعابها للأعداد المتزايدة الوافدة, كما أعربت عن ذلك الرابطة السورية لحقوق الإنسان, ونشرت بعض أسماء من تمت تصفيتهم جسديًّا بطريقة وحشية.
ولم تكن هذه الممارسات جديدة على عائلة الأسد؛ فقد اشتهرت أحداث سجن تدمر في سوريا حتى أصبحت نارًا على علم؛ وذلك من شدة فظاعة ما ارتكب فيه من أهوال تشيب لها الولدان, وهو السجن الذي كان مخصصًا في الأصل لتأديب العسكريين المخالفين للتعليمات، أو الهاربين من أداء خدمة التجنيد الإجبارية, ثم خصص فيما بعد لاعتقال السياسيين والمخالفين لمنهج وفكر عائلة الأسد، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.
وتذكر إحدى روايات القتل والتعذيب في ذلك السجن الرهيب, أن ليلة 26/27 من يونيو عام 1980 شهدت عملية قتل جماعي مروعة, حيث قام جنود سرايا الدفاع بقيادة (رفعت أسد) شقيق (حافظ أسد)، باقتحام مهاجع المعتقلين في سجن تدمر، ومعهم البنادق الرشاشة، ولم يغادروا السجن إلا بعد أن تأكدوا أن أرواح المعتقلين قد صعدت إلى بارئها تدعو على القتلة والمجرمين.
كما أن حافظ الأسد أصدر مرسومًا بقانون تحت رقم 49 لعام 1980 يقضي بإعدام عشرات الآلاف من المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وقد نفذ هذا الحكم بآلاف من المعتقلين في سجن تدمر دون محاكمة ولا تهمة سوى الانتساب لهذه الجماعة المحظورة في سوريا.
وإذا أردنا تعداد السجون التي أوجدها حافظ الأسد في سوريا وورثها ابنه بشار من بعده فسيطول بنا المقام, ففي دمشق وحدها أكثر من 23 سجن ومعتقل, وفي حلب 19, وقريب من ذلك في كل محافظة سورية, وقد أصبحت أضعاف ذلك بعد انطلاق الثورة السورية المباركة, فأضحت كل مدرسة ومستشفى ومركز حكومي سجنًا ومعتقلاً, ولا غرابة في ذلك فكل إناء بما فيه ينضح, فبينما يفتخر القادة العظماء ببناء المدارس والجامعات في بلدانهم, ليرتقوا بمجتمعهم إلى مصاف الدول المتقدمة, يتسابق الطغاة بإنشاء السجون والأقبية لضمان استمرار حكمهم.
والمفارقة أن كل هذه الأهوال والفظائع تحدث في سجون الطغاة على مرأى ومسمع العالم بأسره، دون أن يحرك ساكنًا تجاهها؛ بل يتعمد غض الطرف عنها, تمامًا كما حصل في مأساة حماة وسجن تدمر في الثمانينات, وإذا أراد أن يسلط الضوء على بعض ما يحدث فيها كما يحدث الآن, فإنه يقتصر على التوثيق وإصدار البيانات والكلام فحسب, دون أن ينتقل لأي فعل ينقذ به هؤلاء المعذبين.
إنها السياسة الغربية المعادية للإسلام مع أزلامها من الطغاة والمستبدين, تستخدمهم في تعذيب المسلمين وقتلهم في السجون والمعتقلات, فإذا ما انتهت صلاحيتهم ومهمتهم, جرتهم إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب من خلال الوثائق التي تدينهم, أو تساهم في قتلهم وتصفيتهم بطريقة أو بأخرى, ومع هذا ما زال بعض الطغاة –أمثال بشار– يعملون مع الغرب وينفذون أوامرهم؟!!
المصدر: موقع المسلم
Comments
No Results Found